إذا أردنا نبتة صالحة وجيدة فإننا نتخير الأرض، كما نتخير البذور، ولا يمكن لعاقل أن يضيع بذوره وجهده في أرض جدباء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال بالتخير لنطفهم، كما أمر المرأة وأوليائها بتزويج ذا الدين والخلق، لتنشأ أسرة آمنة ودافئة ترعى النشء وتحميه..
وأنتِ أيتها الأم الكريمة.. يا طفلة العهد القريب!
قد أصبحت الأرض الطيبة التي ترعى البذور الصغيرة، وتضمن نماءها وإستقرارها، فشمري وثابري لحفظ الأمانة ورعايتها، ولا تنظري إلى صغارك يوما على أنهم عبء ثقيل تنوئين به، بل هم فرحتك وسعادتك.
¤ الطفولة المبكرة:
أنتِ.. الحياة لطفلك الصغير، لمستُكِ.. رائحتُكِ.. صوتُكِ.. أنتِ من رزق الحياة بداخلها، وعندما خرج إلى الدنيا ظللت أنتِ.. لا يريد غيرك، ولا يرضى سواك، إنه يحتاج إلى حنانك، وصبرك، وحبكِ، وسهركِ وقلقكِ.
ثم هاهو يكبر.. يجري وراءك، وأمامك.. يصبح كظلك.. فراقبيه وإعلمي أنه يحتاج منك أن تكوني في سنواته الأولى طفلة معه، تلعب وتمرح.. وتحيطه بإهتمامها، فلا تلقيه بعيدا، أو تهمليه وتمليه.. فهو يشعر بكل حركاتك وسكناتك.
¤ إلى المدرسة:
غدا تذهب طفلتك إلى المدرسة، تختبر هذا العالم الخارجي لأول مرة.. فهل أنت إلى جوارها؟
هل ستجدك عندما تعود إلى المنزل، أم أنك خرجتِ تطلبين الرزق، أو تؤانسين جارة، فعادت ولم تجدك؟
إنها إذاً وحيدة وإن وجدت كل شيء، وأحاط بها كل الناس، فهي تريدك أنتِ.. لتطمئن، وتسكن.. لتشعر بقيمتها وتتأكد ذاتها، ليمتلأ قلبها سعادة.. ويندمل كل جرح، وتتجاوز أي فشل، لتحكي وتحاوركِ.. تشكو إليكِ.. لتسعد بحضنك قبل طعامكِ وأثاثكِ.
ـ إنها بحاجة إلى نصائحكِ وتوجيهاتكِ، تريد التعلم منكِ، ومعكِ فقط لن تنزعج من الشدة، ولن تنفر من التأديب، فهي تعلم مكانتها عندك، وترى إنتظارك لها، وشتان بين هذا الشعور البهيج وبين من تدرك أن أمها ألقت بها في الحضانة أو المدرسة لتستريح منها.
ـ ستحكي لكِ، وشجعيها على ذلك، أحداث يومها، ستحكي وهي مصغية بقلبها وعقلها الصغير لتعليقاتك، لتتعلم منكِ، وترى الحياة بعينيكِ.
ـ ستقف إلى جوارك لتصلي وهي في الخامسة، تحاكيكِ.. وتريكِ أنها تحبك، فهل ستعبرين عن رضاكِ وتشجيعك، فتحب الصلاة، وتنشأ مقيمة لها؟
¤ التوسط بين اللين والحزم:
من الأمهات من تتعامل مع أطفالها ببرودة الثلج، وكأنه لا يعنيها ما يفعلونه، فلا توجيه ولا إرشاد، تتركهم يرتعون دون أدب في الزيارات، ولا يحسنون الحديث مع الكبار، ولا مشاركة الأقران، وفلسفتها في ذلك أنهم صغار ولا يجب تقييدهم، وأنهم سيتهذبون مع الأيام بشكل تلقائي، لا.. سيكبرون هكذا، فإحذري وإنظري ماذا تقدمين لنفسك ولمجتمعك؟
ومن الأمهات من تتعامل مع أطفالها بعصبية، وحدّة في غير موضعها، والطفل لا يدري سبب الغضب الشديد لأمه، فيكبر إما مقهورا أو متمردا، وتمر الأسرة بأيام عصيبة في مرحلة المراهقة ومن الغني عن الذكر أن العصبية تقطع خيط الصداقة التي يجب أن تنشأ منذ الطفولة بين الأم وأبنائها.
¤ مراهقة آمنــــة:
وإذا بلغ الأطفال الحلم فللأم دور جديد وهام، فقد أوشكت الثمرة أن تنضج، فشمري لحفظها من أي ريح قد تلقي بها قبل نضجها، أو مطر شديد قد يعطبها.
إنها مرحلة خطيرة، وإليها بصفة خاصة تتوجه جهود أعداء الإسلام، فكوني متنبهة، وتذكري أن لكل ابن وابنة منهج خاص للرعاية، فنحن أمة مسلمة، تدرك فطرة الله في خلقه {إن سعيكم لشتى}، وتعلم أن التكامل بين أفرادها هو سبيل النجاح والتقدم، وتفطن لكذب الدعوات الناعقة التي زُين لأصحابها أعمالهم، فيتهمون الإسلام بظلم وتقييد حرية الفتاة، وليس هذا مجال الحديث.
ـ إن ابنتك الآن دخلت التدريب الحقيقي على دورها المستقبلي، فأنتِ الآن صديقتها وسندها، بعد أن كنتِ مربيتها ومعلمتها، فقد زرعتِ بداخلها الثقة بنفسها، وتقديرها لذاتها، دون أن يداخلها كبر، فقد تعلمتِ منكِ كيف تقدر نفسها دون أن تبخس غيرها.
ـ إحذري أن تجرحيها أمام نفسها، أو أمام أحد، فالجرح منك يصعب التئامه.
ـ كوني بلسم جروحها، وبهجة أحزانها إذا تعرضت لجرح غيرك، أو ضغط الحياة، وهي في هذه السن ستكون أكثر حساسية، وأقرب دموعا، وأشد عاطفة، فإستوعبي ذلك ولا تعجبيه.
ـ كنّا في الماضي نخشى على بناتنا من صاحبات السوء، فنحاول التعرف على صديقاتهن، فالمرء على دين خليله، وكنّا نخشى أن تخرج الابنة فتلتقي ببنات فاسدات فتتأثر رؤاها، وتتخبط أفكارها في هذه السن الحرجة، فنضع الموازين الدقيقة لمواعيد الخروج والعودة..
أما الآن ومع هذا التطور التكنولوجي الهائل، أصبح الصحاب والصاحبات أقرب إليهن من أي شيء، فهل تعلمتِ أيتها الأم الحصيفة لغة هذا العصر؟
أم أنكِ في جزيرة نائية لا تحسنين التعامل مع الشبكة العنكبوتية، ولا دهاليز مواقع التواصل الاجتماعي، كي تصبحي إحدى صديقاتها في هذا العالم؟
أتراكِ إخترتِ لغة المنع والإبعاد.. فلا هاتف جوال.. ولا إنترنت، فتكونين كمن يصر على الخروج من حائط مسدود؟
أم أنك أوليتِ فتاتك الحبيبة ثقتك العاقلة، وحمايتك غير المقيدة؟
تأكدي أنه لن يجدي في هذه المرحلة إلا أن تكوني صاحبة لها، تفهمين لغتها، وتعرفين كيف تخاطبينها.. تقدرين مشاعرها، وتحتوين أخطاءها.
إستعيني بالله تعالى لتكوني أنت المركب الذي يعبر الأمواج، وابنتك معك، أو تسبح من حولك وأنت جاهزة دوما لتعبري بها إلى بر الأمان.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع همسات.